الأدب الإسلامي

غابةُ الظُّلْم

شعر: الشاعر الإسلامي الأستاذ عبد الرحمن صالح العشماوي / الرياض

                                                                                                                                                                                                                              

غابةُ الظُّلم سَرَتْ منها الضَّواري

حين لايقوى على الإدلاج ساري

غابةٌ ما أخرجتْ إلا وحوشاً

تتشهّى مَضْغَ أكباد الصِّغار

خرجت من غابة الظُّلم نهارًا

كمساءٍ ، ومساءً كنهارِ

لبست ثوبين ثوبًا من بريقٍ

يخدع الناس ، وثوبًا من سُعار

كشفت أنيابُها عن خلجاتٍ

تعشق الظلمَ وتهفو للدَّمار

تأكل الأخضرَ واليابسَ ، ترمي

كلَّ من تلقاه في الدَّرْب بنار

ما لها حِسٌّ ولا عَقْلٌ يُريها

سوءَ ما يَجْلِبُه هَدْمُ الدِّيار

كلَّما لاحت لها أشجارُ روضٍ

يانعاتٌ ، طَوَّقَتْها بحصار

ومضت تقتلع الأشجارَ حتى

تَبْلُغَ الغايةَ من جَنْي الثِّمار

تُشعل الحقل الذي ترتع فيه

ثم تمضي عنه من غير اعتذار

تعشق الإفسادَ في الأرض وتأبى

أن ترى أرض سواها في ازدهار

تَرِدُ النَّبْعَ ، فما ترحل إلاّ

وهو يشكو من فسادٍ وانحسار

ربَّما ترحم بالقتل صغيرًا

وبثوب الموت تكسو جسمَ عاري

ربَّما تحنو على الناس ، ولكنْ

بالصَّواريخ وآلاتِ انشطارِ

وإذا ما أسرفتْ في العطف ألْقَتْ

بعناقيدِ الرَّدى في كلِّ دار

ربَّما تُحْسِنُ للجارِ ، ولكن

بالذي تُحْسِنُ من سوء الجوار

يا وحوشَ الغابةِ السوداءَ ، إنَّا

لم نعد في سوءِ مَسْراكِ نُماري

بين أنيابِك أشلاءُ الضحايا

وعلى شِدْقَيْكِ آثارُ احمرارِ

كُلُّ مَنْ في هذه الأرض يراها

رَأْيَ عينٍ ، بعد تمزيقِ السِّتارِ

افرحي بالوهم ، تيهي في غرورٍ

عَرْبدي في الجوِّ ، غُوصي في البحارِ

سوف تلقيْن من الله جزاءً

عاجلاً ، يُلْقيكِ في نار البَوَار

أبْشري يا غابةَ الظُّلْمِ بخوفٍ

وارتكاسٍ في الرّزايَا وانكسار

سَطْوَةُ الظالم ، دَرْبٌ للمآسي

ينتهي فيه إلى ذُلّ وعارِ

إنَّما الظُّلْمُ طريق الموتِ ، مهما

حَقَّق الظالمُ من وَهْمِ انتصارِ

•••

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذو القعدة – ذوالحجة 1429هـ = نوفمبر–ديسمبر 2008م ، العـدد : 11-12 ، السنـة : 32